المشاكل الزوجية بسبب الكنة أم العمة ؟
ثمة ما يعكر صفو العوائل من مؤثرات خارجية ، كالعوز وضيق الدار وعدم توفر ألوبية التفاهم بين أفراد الأسرة الواحدة ، وفي الواقع فان هذه المؤثرات تشكل عاملاً مهماً من عوامل هدم البناء الأُسري ، وقد تؤدي بالنتيجة الى رد فعل إنعكاسي قد يصل ذروته في التأثير على تربية الطفل داخل الأسرة ، وخصوصاً اذا أخذنا بنظر الإعتبار خطورة مسألة عدم التفاهم أو عدم التفهم - بتعبيرأدق - بين مركزي قيادة الأسرة ، وهما الأب والأم .
إن هذه المشكلة مع غيرها من المشاكل يمكن حلها آلياً باستخدام البدائل المادية أو النفسية ، وعبر الإنفتاح ومحاولة الوصول الى أعلى مستويات الأداء من خلال الحوار المفتوح ومحاولة الإلتفاف على المؤثر وكبح جماحه في اللحظات الأولى من ولادته .
ولكن المشكلة الأكثرتعقيداً ، والأكثر تأثيراً على محيط الأسرة هي مشكلة العلاقة بين الكنّة والعمة ، هذه العلاقة التي تشكل عبءً على مشروع التكوين الأسري السليم ، فالمشكلة هنا تكمن في التركيب النفسي للطرفين ، وهذا مما يستدعي صعوبة حلها بشكل نهائي ، والحقيقة أن مقولة مازالت ترن في أذني تتعلق بطبيعة علاقة الإنسان بالمجتمع القريب منه مفادها ( نحن نقضي نصف عمرنا بمعاناتنا مع آبائنا ، ونمضي النصف الآخر في معاناتنا مع أبناءنا ) وقريباً من هذه المقولة يمكن أن نتفهم حجم معاناة المرأة في المجتمع الشرقي الذي اختزل حقوق المرأة الطبيعية والتركيبية والإنسانية ، وعدم التفات المجتمع للمنح والعطايا التي أسبغها الخالق العظيم تبارك وتعالى على المرأة ، ولم يلتفت المجتمع الى حقوقها التي جاء بها الرسول الأعظم ( عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم ) ، فالمرأة في مجتمعاتنا تقضي الشطر الأول من حياتها في معاناة هضم الحقوق واستلابها وتحديد وتحجيم دورها في البناء من قبل أهلها ، ثم تقضي الشطر الثاني من حياتها مع المعاناة بظل الزوجية غير المتكافئة بدءً من أم الزوج ومروراً بتحقيق متطلبات أفراد أُسرته والقيام على خدمتهم وانتهاءً بمسؤوليتها تجاه الزوج والتكوين الأسري .
ولعل مما يجب الإلتفات اليه هو البداية الخاطئة في الزواج ، والتي تأتي نتيجة المشاركة في السكن بين المتزوجين الجدد وأهل الزوج ، وهي في الحقيقة مشكلة كبيرة ، وهي العقبة الكبرى أمام إعطاء الزوجين فرصة الدخول الى العالم وتحمل المسؤولية في بناء أنفسهم والإشراف المباشر على توجيه سلوكهم ، وهذا بالضبط ما التفت اليه الرسول الأعظم ( ص ) فعندما زوج سيدة النساء من أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) أفرد لهما سكناً خاصاً بهما ، كي يمنحهما فرصة التعايش الحقيقي من جهة ، ويؤهلهما نفسياً لممارسة دورهما في تكوين الأسرة دون وجود مؤثرات داخلية . إن مشكلة بناء الأسرة تبدأ مع أول تدخل لأم الزوج في حياة المتزوجين الجدد ، وتبدأ بممارسة دورها التوجيهي والمتسلط ، وحصر الزوجين في زاوية قبول المقررات بفعل الضغوط المادية ، وبسبب فقدان أهلية الزوج في قيادة أُسرته منذ بداية مشروع الزواج ، ذلك لأن الأم تشعر - بغير وعي - أن ثمة امرأة تستلب منها كائناً لطالما سهرت هي على تربيته ورعايته حتى صار رجلاً وتشعر أن الزوجة شريكة لها في هذا الكائن ، هذا بالاضافة الى شعور المرأة - الزوجة - بالإحباط نتيجة مشاركة أم الزوج لها في التأثيرعلى أهم الكائنات وجوداً في حياتها وهو الزوج .
وكثيراً ما تدفع الزوجة ثمن هذا الصراع بفقدانها أهليتها على الإستمرار في البناء والتجديد ، وتتحول الحالة الى الطلاق ، أو مغادرة المنزل ، أو في أحسن الظروف يبدأ الزوجان بالعد من الصفر في بناء أنفسهم خارج محيط الأسرة القديم ، وبعيداً عن الإتكاء على بيت الأهل ، ويبدآن بناء بيت الزوجية الجديد بعد أن ضيعا سنين من عمرهما خارج مسؤولية البناء ، وهنا أيضاً تدفع الزوجة ثمن خروجها مع زوجها لبناء عشهما الجديد ، حيث تكال اليها التهم والتخرصات ، وتحمل مسؤولية اختطاف فرد من أفراد الأسرة ، والرحيل به بعيداً ، وتعتبر - بنظر أهل الزوج - سبباً من أسباب تفكك العائلة .
إن المشكلة برمتها تقع ضمن حيز التقهقر المادي ، فعند وجود عوامل الإكتفاء ، يبدأ الزوجان بداية جديدة وصحيحة منذ الزفاف في بيت مستقل لتكوين أُسرة جديدة ، ولكن الذي يحدث هو استغلال غرفة في البيت ، مهددة بالهدم والتلاشي ، أو العودة الى مرحلة الصفر بعد سنين طويلة .
إن استخدام بيت العائلة لتكوين الأسرة الجديدة يعتبر ظاهرة غير حضارية ، ويعتبر من المحظورات ، ولكن العوز وعدم وجود القابلية على الاستقلال منذ بدء الزواج يخضعنا أحياناً لقبول هذه المحظورات ، وكما قيل ، فالضرورات تبيح المحظورات .